تحت ضغط شعبي عارم، وبعد ثلاثة أيام من الصمت المطبق، تحركت سلطات طنجة أخيراً وقامت باعتقال المغني الذي أثار سخطاً واسعاً بأدائه أغنية هابطة ومسيئة للأخلاق والقيم، وذلك في أول أيام عيد الفطر المبارك وأمام مرأى ومسمع الأطفال والقاصرين في مدينة طنجة المحافظة.
هذا التحرك المتأخر، وإن استُقبل بارتياح وتصفيق من قبل رواد المنصات الاجتماعية والمجتمع المدني، إلا أنه يطرح تساؤلات عميقة حول مسؤولية الجهات الأخرى المتورطة في هذه الفضيحة التي هزت الرأي العام المغربي. فاعتقال المغني، وإن كان خطوة ضرورية لمحاسبة من تجرأ على خدش الحياء العام واستغلال مناسبة دينية لترويج محتوى منحط أمام الأطفال، إلا أنه لا يجب أن يكون كبش الفداء الوحيد.
فأين هم منظمو هذا الحفل المشبوه الذين سمحوا ببث مثل هذه الأغاني أمام هذه الفئة العمرية الحساسة؟ لماذا لم تتم محاسبتهم على تقصيرهم وتهاونهم في حماية الأطفال؟ وأين دور أولياء الأمور الذين سمحوا لأبنائهم بحضور مثل هذه التجمعات التي تفتقد للرقابة والتأطير؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات التعليمية في تحصين النشء ضد مثل هذه المؤثرات السلبية؟
صحيح أن الدستور المغربي والقانون الجنائي واتفاقية حقوق الطفل تشدد على حماية الأطفال من كل ما يسيء لنموهم النفسي والأخلاقي، وأن ما قام به المغني يشكل انتهاكاً صريحاً لهذه النصوص. لكن المسؤولية لا تقع على عاتق المغني وحده، بل تمتد لتشمل كل من ساهم بشكل أو بآخر في وقوع هذه الفضيحة.
إن المقارنة التي طرحها البعض حول اعتقال مشجع “الطاسة والحشيش” وعدم ملاحقة تجار المخدرات قد تكون في ظاهرها منطقية، لكنها لا تقلل من فداحة ما حدث في طنجة. فبينما تستمر الدولة في حربها ضد تجارة المخدرات، فإن حماية الأطفال من المحتوى الهابط والمسيء يجب أن تكون أولوية قصوى لا تقل أهمية.
إن ما حدث في طنجة يستدعي تحركاً شاملاً وجدياً لمحاسبة جميع المتورطين، ليس فقط المغني، بل المنظمين والجهات التي سمحت بإقامة هذا الحفل بهذه الطريقة المهينة. إنها دعوة لفرض رقابة صارمة على مثل هذه التظاهرات، وتفعيل دور الأسرة والمدرسة في حماية النشء من كل ما يهدد قيمهم وأخلاقهم.
“أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي”، لكن الأفضل هو أن نكون يقظين وحريصين منذ البداية لمنع وقوع مثل هذه الكوارث التي تسيء لمجتمعنا وقيمنا وتترك آثاراً سلبية عميقة في نفوس أطفالنا. التحقيق الجاري مع المغني يجب أن يكون بداية لمساءلة شاملة تضع حداً لمثل هذه التجاوزات وتحمي أجيالنا القادمة