بين “هيا لننجح” و”متى استيقظ خالد؟”.. أزمة التعليم أم أزمة المنهج؟

هيئة التحرير20 سبتمبر 2025آخر تحديث :
بين “هيا لننجح” و”متى استيقظ خالد؟”.. أزمة التعليم أم أزمة المنهج؟

في خضم الحديث المتواصل عن إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب، وتكريس ميزانيات ضخمة للرقي بها، يجد الآباء أنفسهم أمام مفارقات محيرة. فمن جهة، تُرفع شعارات براقة عن جودة التعليم، ومن جهة أخرى، تُطرح أسئلة في الامتحانات تعكس مستوىً من الركاكة والسذاجة لا يليق بمستقبل جيل كامل. قصة “خالد الذي استيقظ باكرًا” لا تبدو مجرد حكاية بسيطة، بل هي مرآة تعكس واقعًا تعليميًا يثير القلق، خصوصًا عندما يُطرح هذا النوع من الأسئلة على تلاميذ في المستوى الثالث إعدادي، وهو مستوى يفترض به أن يكون بوابة للمرحلة الثانوية.

إن تكرار مثل هذه الأمثلة في المناهج الدراسية يثير تساؤلات جدية حول فعالية الإصلاحات. هل يكمن الخلل في التطبيق أم في الرؤية نفسها؟ هل الهدف من هذه الإصلاحات هو حقًا رفع مستوى التلاميذ، وتشجيعهم على التفكير النقدي، والابتكار، والبحث، أم أننا نعيش في دوامة من القرارات التي لا تراعي الفوارق العمرية والفكرية؟ لا يمكننا أن ننكر أن جهودًا كبيرة تُبذل، لكن هل هذه الجهود تسير في الاتجاه الصحيح؟

إن الإجابة على سؤال “متى استيقظ خالد؟” هي إجابة جاهزة ومباشرة، لا تتطلب أي مجهود فكري أو تحليلي. هذا الأسلوب في طرح الأسئلة، بدلًا من أن يشجع التلاميذ على التفكير والتحليل، يحبط قدراتهم ويجعلهم يقتصرون على الحفظ والاستظهار. إنه أسلوب يقتل روح الإبداع والبحث، ويحصر عقول الشباب في قوالب جامدة لا تتناسب مع متطلبات العصر الحديث، حيث أصبحت المهارات الناعمة والقدرة على حل المشكلات أكثر أهمية من أي وقت مضى.

إن المستوى التعليمي ليس مجرد معادلة رياضية أو قصة قصيرة، بل هو رهان على مستقبل الأمة. فإذا كان الهدف من التعليم هو إعداد جيل قادر على بناء الوطن، فيجب أن تكون المناهج مصممة لتدفعهم نحو الابتكار والتحليل، لا أن تجعلهم يركزون على تفاصيل تافهة. على وزارة التعليم أن تعي أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من المحتوى، من نوعية الأسئلة التي تُطرح، ومن الأهداف التعليمية التي يُراد تحقيقها. وإلا، سيبقى كتاب “هيا لننجح” مجرد عنوان فارغ، لا يعكس الواقع المرير الذي يواجهه أبناء الشعب في المدارس الحكومية.

لا يمكن الحديث عن أزمة التعليم دون مقارنته بالدول التي حققت قفزات نوعية في هذا المجال. في الوقت الذي تدمج فيه الدول المتقدمة الرقمنة والابتكار في صميم منظومتها التعليمية، نجد أنفسنا لا نزال نناقش أسئلة لا تتناسب مع عصر التكنولوجيا.

في العديد من دول العالم، أصبح اللوح الإلكتروني والتعلم عن بعد جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية. يستطيع الطلاب الوصول إلى مصادر معرفية هائلة، والمشاركة في مشاريع تفاعلية، وتطوير مهارات التفكير النقدي. هذا لا يقتصر على الدول الغنية فحسب، بل حتى بعض الدول النامية استطاعت أن تدمج التكنولوجيا بفاعلية في مدارسها.

في المقابل، يواجه التعليم في المغرب تحديات كبيرة في هذا الجانب. ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن إعداد جيل المستقبل، لا تزال المناهج والموارد التعليمية التقليدية هي السائدة. هذا التخلف يخلق فجوة معرفية كبيرة بين أبنائنا وأقرانهم في الدول الأخرى، مما يحد من فرصهم في الابتكار والمنافسة في سوق العمل العالمي.

إن ما يحدث ليس مجرد مسألة منهج دراسي أو سؤال بسيط، بل هو رهان على مستقبل الأمة. إذا كان أبناء اليوم هم جيل المستقبل، فلا يمكن أن نستهتر بقدراتهم ومستواهم. يجب على الجهات المسؤولة أن تتدخل بشكل عاجل لإنقاذ سفينة التعليم من الغرق.

هذا التدخل لا يجب أن يقتصر على تغيير الشعارات، بل يجب أن يكون جذريًا وعمليًا. يجب أن يتم تحديث المناهج لتكون أكثر تفاعلية وتحفيزًا للتفكير النقدي. كما يجب إدماج التكنولوجيا في الفصول الدراسية بشكل فعّال، وتدريب المعلمين على استخدامها.

باختصار، مستقبل المغرب يعتمد على جودة التعليم المقدم لأبنائه. هل سنستمر في إعداد جيل يحفظ إجابات جاهزة، أم أننا سنستثمر في جيل قادر على الابتكار والرقي والمنافسة في عالم يتقدم بخطى سريعة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة