كتبت / أمينة حامد رئيسة قسم الديني الإجتماعي بجريدة الأنباء 24 الكندية العربية.
كنت أدعو الله ليل نهارٍ به، وجوده بداخلي كان يُشعرني بالسعادة،
يومًا بعد يوم وهو يكبر ومشاعري تجاهه تُصبح أكثر رِفقًا وحنانًا، لكن جاء إلى هذه الحياة وأصبح في حضني أصبحتُ أخاف، صار طفلي يُهدد مسار حياتي”
تقدم لي شاب ذا خلق، يبلغ من العمر خمسة وعشرون عامًا، مُهندس في شركة ويملكُ شقة خاصة به، وكنت أنا في العشرين من عمري، ترددت كثيرًا قبل أن أوافق لكني في النهاية تركت أمري لله بعد أن صليت استخارة واستشرت والدي في الموضوع، استمرت خطبتنا حوالي ستة أشهر ثم بعد ذلك قررنا أن نتزوج، كانت هذه الفترة كافية بالنسبة لنا لنتعرف على طِباع وعادات بعضنا الآخر، وفي نفس الوقت كنا نعلم أن هناك أمور أخرى ستظهر بعد الزواج كما أن مشاعرنا ستتغير.
وهذا بالفعل ماحدث، علاقتنا قبل الزواج كانت مليئة بمشاكل عِدة كلها نشئت عن سوء فِهم لم يكن ليحدث لو كنا معًا، فحديثنا على الهاتف كان جافًا خاليًا من المشاعر، بالإضافة إلى أن كلانا لم يكن يرى الآخر وكأن هناك حاجز يقف بيننا، لكن بعد الزواج اختلف الأمر نستطيع أن نتناقش بهدوء، أرى انفعالاتهُ وهو يرى ردود أفعالي، صارت حياتنا ألطف بكثير وأصبحت المشاكل تُحل سريعًا، كانت الأجواء جميلة للغاية.
ثلاثة أشهر ووجدت نفسي حاملًا، هرعت لإخباره بالأمر وكان في غاية السعادة، طِيلة فترة حملي كان يهتم بي، يتشارك معي في أمور المنزل، يومًا بعد يوم وهو يكبر بداخلي وأنا أزيد شوقًا وحنانًا لرؤيته، كنا ننتظر اليوم الذي يأتي فيه بفارغ الصبر، قطعة منه تنبت بداخلي كل لحظة، شعور رائع يجمع بين الشوق والخوف، تسعةَ أشهر مرت سريعًا وأنا أُعِد كل شيء لاستقبال صغيري، لكني لم أكن أعلم أنه عندما يأتي سيُصبح مصدر قلق لي، صار يهدد مسار حياتي.
عندما سمعت صوته للمرة الأولى كنت أبكي فرحًا، طال الشوق لرؤيته، حملته بين يدي واحتضنته بشدة، صرت أُقبله من كل جِه، قطعة مني ومنه صارت أمامي، لكن بعد أيام عدة تغير كل شيء، كنت أبكي كثيرًا عندما أراه، لم أكن أعلم ماذا أفعل، صار وجوده يُشعرني بالقلق، عندما أنظر إلي المرأة أكره نفسي، لقد صرت بشعة، جسدي لم يعد كما كان، كنت أبكي عندما يبكي هو، حتى كدت أعترف أنني أمًا سيئة للغاية، ألتلك الدرجة لا أستطيع الاهتمام به؟
وجدني زوجي في تلك الحالة ظل يُخبرني أنني يجب أن أعتني بطفلي لقد انتهت إجازاتهُ وعليه أن يعود للعمل، لا يستطيع أن يبقى للأبد بجواري، كنت خائفة لأنه سيذهب، وأبقى وحدي مع الطفل فقد كان هو يتحمل عبء مسؤوليته، جلس يقول لي ماذا أفعل مع الطفل عندما يبكي وأنا استمع له وعندما حان وقت ذهابهِ، هرعت إليه وقلت بنبرة راجية أنا لا أستطيع أرجوك لا تذهب، لكنه ربت على كتفي وقال ستكونين بخير، عليكِ أن تعتادي الأمر فقط وإن حدث شيء الهاتف معكِ اتصلي بي.
لم يمر وقتًا كثيرًا حتى بدأ الطفل يبكي، جلست بجواره لا أعلم ماذا ينبغي أن أفعل، صِرت أفعل مثل ما قال لي زوجي لكن كان ذلك دون جدوي، أمسكت الهاتف سريعًا وقلت له أرجوك عُد، طفلنا إنه يبكي وأنا لا أعلم ماذا أفعل له، بضع دقائق وجاء زوجي وجدني أبكي بجوار الطفل أخذه وصار يربت عليه بهدوء ويرى ما يحتاجه وبالفعل هدأ مجددًا، وضعه على سريره ثم أخذني إلى الخارج
قال لي: ماذا علي أن أفعل الآن؟ كيف تكونين أمًا مهملة هكذا؟ لا أستطيع أن أبقى هنا طوال اليوم، حان الوقت لتكوني مسئولة عن طفلنا أتدركين حقًا ما أقول؟
جلست على الأرض ولم أفعل شيء سوى البكاء، نظر إلي ثم قال: لقد سئمت هذا الوضع بجدية، سأغادر إلي العمل.
تركني بمفردي وذهب وعند انتهاء دوام عمله، عاد لكن هناك شيء غريب حدث، كان هادئًا، لطيفًا، وأشترى لي بعض الأشياء ليُسعدني، أمسك يدي وربت عليها بلطفٍ وقال: أنا أعتذر لكِ بشدة، والدتي أخبرتني عن ما يحدث معكِ، أنتِ الآن تمرين بمرحلة اكتئاب ما بعد الولادة، أنا لم أكن أعلم بهذا قط، أرجو أن تُسامحيني وأعدك أني سأكون بجواركِ إلى أن تكوني بخير وتستطيعي الاعتناء بطفلنا.
تفاجأت وقلت له ماذا تقصد؟ أي اكتئاب؟
فقال: تعالي لترى
فتح هاتفه وجعلني أقرأ العديد من المقالات عن حالتي لأطمئن قليلًا، أخبرني أنه عندما علم بما يحدث لي، صار يبحث عن الحالة أكثر وهو يعلم الآن كيف يتعامل معي وسوف يُريني ما ينغبي علي فعله أيضًا، تفاجأت أكثر عندما علمت أنه أخذ إجازة أخرى ليهتم بي أكثر ويتأكد أنني صرت في حالة تسمح لي بالاعتناء بطفلنا.
جلس أسبوعًا في المنزل، وضع لي مُخططا عن بعض التمارين الرياضية التي يجب أن أفعلها، النظام الغذائي أيضًا الذي يجب أن أتبعه. وطرق الاهتمام بطفلنا، صار يهتم بأدق تفاصيلي، حتى عُدت لطبيعتي، أثق بنفسي وقادرة على الاهتمام بطفلنا، ووضع لي أيضًا بعض المراجع الذي قد قرأها مُسبقًا لأقرأها أيضًا حتى أكون مُستعدة تمامًا لأي شيء يحدث.
مرت هذه الفترة على خير، لكنني تعلمت منها أمور عدة، وأدركت مدي أهمية أن يكون زوجك قادرًا على الاعتناء بكِ وإمدادكِ بالقوة في أكثر وقت تحتاجين إليه فيه، لولا وجود زوجي واهتمامه بحالتي لم نكن لنصل إلي هنا، كُنا نتجادل كثيرًا وأنا كنت أتذمر وأبكي طيلة الوقت، لكنه كان يحاول بكل السبل المُمكنة أن يتحكم في انفعالاته ويبقى هادئًا و لطيفًا معي إلى أن عُدت مُجددًا، كان هذا أول طفل لنا لكننا استطعنا معًا أن نتغلب على كل شيء قد يُعيق طريقنا.
ورفيقًا هينًا يخطو معى الصِعاب ولا يُثقلها علا يأخذ بيدي للجنة يا الله
“ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”