بقلم/ أحمد حساني المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية بالقاهرة.
الحقـائق التاريخية المسلَّم بها تؤكد أن تاريخ العرب الحضاري قبل ظهور الإسلام لا يرقي إلي مستوي تراث الشعوب الأخرى ذات الحضارة القديمة، وعندما ظهـر الإسلام قدم نظرة شاملة للكون، والحياة، والإنسان، صالحة للبشر في كل زمان ومكان.
وهذه النظرة تشمل السياسة، والاجتماع ، والاقتصاد، والأخلاق ذلك لأن الإسلام لم يكـن عقيـدة وأسلوبا للعبـادة فحسب؛ بـل كـان أيضـا تخطيطا للأمة والمجتمع ومنهاجا للفكر، والسـلوك ودستورا للإنسانية علي أسمي صورها، ولما كان الدين الإسلامي يحث أتباعه علي نشره بين الناس أجمعين فقد بذل المسلمون منذ ظهور الإسلام كل الجهد من أجل تحقيق هذا الهدف، وعندما حمل المسلمون العرب في الجزيرة العربية الدين الاسلامي إلي خارج جزيرتهم، وبذلوا جهدا عظيما في نشره بين الشعوب الأخري أسمعوا بنصيب كبير في قيام الحضارة الإسلامية والتي أقيمت علي أساس من المنهجية والتخصص، والأمم التي انتشر فيها الدين الإسلامي أثرت فيها الحضارة الإسلامية، وبدت مظاهرها واضحة في شتى نواحي الحياة فيها.
إن الدولة المالديفية دولة ذات حضارة وأمجاد تاريخية عظيمة، مما يدل على عراقة العنصر المالديفي الطيب وروحه السمحة. ويحكي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن تاريخ المالديف حافل بالبطولات والتضحيات والتخلص من الغزاة.
والشعب المالديفي متدين يحب الإسلام وملتزم بتعاليمه وتوجيهاته، ويحرص على الآداب الإسلامية, والسلوكيات الإسلامية واضحة للعيان, فالحجاب منتشر , ويحترم السكان الأذان, ويقبلون على المساجد , وتغلق المطاعم نهارا في شهر رمضان, وتُمنع المجاهرة بالفطر فيه، وتوجد بها هيئة عليا لمراقبة التطبيق الصحيح لأحكام الشرع الإسلامي في جميع المحاكم.
ونسبة الأمية في تلك البلاد طفيفة جداً لا تتجاوز 2%، بفضل جودة التعليم والبعثات الدراسية، ورغم أن اللغة الرسمية ليست العربية إلاّ أنه لا يوجد بين السكان من لا يستطيع أن يقرأ في كتاب الله تعالى بنفسه، وذلك بفضل مدارس ومراكز تعليم القرآن الكريم المنتشرة في ربوع تلك الجزر.
ويُكثِر ابن بطوطة في كتابه “تحفة النظار” مدح هذه الجزر وأهلها وأخلاقهم العالية، حتى إنهم ليستنصرون على عدوّهم بالدعاء، قائلا: وأهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة، وإيمان صحيح ونية صادقة، أكلهم حلال ودعاؤهم مجاب، وإذا رأى الإنسان أحدهم قال له: الله ربي، ومحمد نبيّي، والإسلام ديني.
كما أشاد ابن بطوطة بنظافتهم وجمال مساجدهم وعاداتهم في التنزه والتزيّن والتعطّر قائلا: “وفي كل جزيرة من جزائرهم المساجد الحسنة، وأكثر عمارتهم بالخشب، وهم أهل نظافة وتنزُّه عن الأقذار، وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفا لشدة الحر بها وكثرة العرق، ويكثرون من الأدهان العطرية كالصندلية، ويتلطّخون بالغالية المجلوبة من مقدشو.
وللحديث أكثر عن جمهورية المالديف ومظاهر الحضارة الإسلامية بها والتعليم والجامعات ومراكز القرآن الكريم، كان لنا الحوار التالي مع معالي الوزير/ إلياس جمال وزير الدولة للشؤون الدينية بجمهورية المالديف.
– ما هي مهام مركز القرآن الكريم في العاصمة المالديفية
– مدي تطوير برامج الدعوة والإرشاد وتأهيل وتدريب الأئمة والدعاة
– ما هي برامج ووسائل تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية
– مظاهر الحضارة الاسلامية في المالديف
– دور المملكة العربية السعودية والإمارات حول دعم المؤسسات الدينية في المالديف ماديا وعلميا وتربويا.
نص الحوار كاملا:
أولا بادئ ذي بدء أشكر الأستاذ أحمد حساني على اهتمامه لإجراء هذه المقابلة
س: ما هي مهام المركز القومي للقرآن الكريم في عاصمة المالديف؟
ج: المركز القومي للقرآن الكريم مؤسسة تعليمية حكومية تابعة لوزارة الشئون الإسلامية . أسسها الرئيس الأسبق سعادة الأستاذ مأمون عبد القيوم سنة 2000م، لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية ونشر علومهما في ربوع المالديف. ومن مهامّها تأهيل وتخريج كفاءات نوعية ومتميزة من الدارسين في مجالات الإمامة وتدريس القرآن الكريم واللغة العربية. كما أنها هي الجهة الرسمية المخوّلة لترجمة المصحف الشريف وطباعته. وكذلك من أبرز مهامّها عقد مسابقة قرآنية على مستوى المالديف مرّة في كل عام.
لقد انتهت المسابقة الوطنية في دورتها 35 للقرآن الكريم خلال الفترة من 22 ديسمبر إلى 31 ديسمبر عام 2022. وتقام كل عام مع مشاركين من جميع أنحاء البلاد يقدمون إلى مدينة مالية للمشاركة فيها. ففي هذه السنة أقميت هذه المسابقة في جامع الملك سلمان لأول مرة بحلة متميزة بنشاطات متعددة مع جوائز قيمة للمشاركين في المسابقة باسم مهرجان القرآن طيلة فترة المسابقة في أروقة جامع الملك سلمان. حيث بلغ عدد المشاركين في هذه المرة 1023 مشارك.
و المركز يقدّم كل خدماته للجميع مجانا، و يهدف هذا المركز إلى أن يكون منارة علمية رائدة في المالديف و ما حولها من دول جنوب آسيا. ومقرّه الرئيسي كائن في الدور الثالث والرابع والخامس من جامع الملك سلمان بعاصمة المالديف.
س: ما هي برامج و وسائل تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية ؟
ج: عندنا في المالديف مدرسة حكومية باسم المدرسة العربية الإسلامية، تدرّس فيها جميع المواد باللغة العربية سوا اللغة الإنجليزية والديفيهية. أما مادة التربية الإسلامية فهي مادّة ملزمة في كلّ المدراس. وإضافة إلى ذلك يقوم المركز بتخريج الحفاظ وإقامة دورات والبرامج التعليمية التالية:
دورات لتأهيل معلمي القرآن الكريم والسنة النبوية دورات تأهيلية لأئمة المساجد والخطباء ، دورات متقدمة لمعلمي القرآن الكريم. دبلوم لتأهيل معلمي القرآن الكريم. لسانس لمعلمي القرآن الكريم والسنة النبوية ، لسانس لأئمة المساجد.
س: مظاهر الحضارة الإسلامية في المالديف.
ج: مظاهر الحضارة الإسلامية ظاهرة في المالديف منذ أن أشرقت جزرها بنور الإيمان وتزين أهلها بزينة الإسلام حين أسلم أهلها على يد أبو البركات يوسف البربري المغربي الذي زار المالديف سائحا قبل قرابة تسعمائة سنة. حيث وصف ابن بطوطة أهلها بقوله المشهور: “وأهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان صحيح ونية صادقة، أكلهم حلال ودعاؤهم مُجاب” ومن أبرز مظاهر الحضارة الإسلامية فيها كثرة مساجدها حيث نجد في بعض الجزر مع صغر مساحتها أكثر من مسجد، و يفوق عدد مساجد المالديف برمتها على 600 مسجد 35 منها كائنة في منطقة العاصمة. و يعدّ جامع الملك سلمان بعاصمة المالديف من المعالم الحضارية البارزة في المالديف وتحفة معمارية حديثة لا نظير لها في المنطقة بأسرها.
وللحفاظ على حضارتها المتميزة وهويتها الإسلامية المئوية، قد تم إصدار وتصديق قانون باسم “قانون حماية الوحدة الدينية” في عام 1994م. وبناءا على هذا القانون يجب على كل من الحكومة والشعب حماية الوحدة الدينية في المالديف وحظر النشاطات المناهضة لدين الإسلام.
ومن الجدير بالذّكر أنّ هذا الأمر لا يتنافي مع التسامح الذي جاء به الإسلام والتعايش مع الآخرين على اختلاف الأجناس والأديان. فالمالديف دولة يُضرب فيها المثل في ريادتها عالميا في مجال السياحة ويحتذى بها في تقديم الضيافة للوافدين وتكريم الزائرين لها واحترام المقيمين فيها على اختلاف عروقهم وثقافاتهم. حيث باتت المالديف تحتضن بين جنباتها كل من يرتادها بكل ترحيب وحفاوة منذ عقود طويلة، وظلت تخدمهم جميعا دون تمييز وتفريق، وينعم الجميع بالسلم والأمان.
س: دور المملكة العربية السعودية والإمارات حول دعم المؤسسات الدينية في المالديف ماديا وعلميا وتربويا.
ج: لاشك أنهما دولتان لهما قصب السبق في مجال تنمية المالديف ودعمها ماديا وعلميا وتربويا، فالمملكة والإمارات بادرت بفتح سفارتهما في المالديف لتوسيع نطاق خدمتهما لهذا البلد وتعزيز دورهما في تنمية المالديف في مختلف المجالات. ونحن نلمس في جميع أنحاء المالديف شرقا وغربا وشمالا وجنوبا آثار دعمهما السخي للمالديف. من مساجد ومدارس ومستشفيات ومطارات وصالات رياضية وملاعب وغيرها من المعالم الحضارية التي تخدم شعب المالديف بفضل الله ثم بدعم المملكة والإمارات.
أما علميا وتربويا فتقوم الدّولتان بتنظيم دورات علميّة وإقامة برامج تدريبيّة وأخرى توعويّة وكذلك بتبادل الزّيارات بين الجهات المعنية حيث تعمل الدولتان جاهدة بنشر الوسطية ونبذ التطرف والغلو والإرهاب وتوعية المجتمع المديفي عن الأفكار الهدّامة. ومن خلال هذه الجهود ولله الحمد يتم اجتثاث هذه الأفكار من جذورها وبيان حقيقة خطرها على الإسلام وعلى استقلال الدولة وأمنها واستقرارها. حيث كنت بفضل الله من المشاركين في عدد من ملتقيات منتدى أبوظبي لتعزيز السلم كما شاركت في آخر مؤتمر أقامها جامعة الشيخ محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وتشرفت بإلقاء كلمة فيه. ولذلك فإني أرى من واقع مسؤوليتي الأدبية كمواطن مالديفي ومن واقع مسؤوليتي كوزير دولة للشؤون الاسلامية ورئيس للمركز القومي للقرآن الكريم بالمالديف أن أنتهز هذه الفرصة بتقديم خالص الشكر للمملكة والإمارات حكومة وشعبا وقيادة.
ولاشك أن ما نشهده اليوم من اقتراب غير مسبوق بين المالديف وبين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هو بفضل الله ثم بالجهود المتميزة المبذولة من سفيريهما لدي المالديف لذا لا أغفل في هذا المقام عن تقديم الشكر الجزيل لسعادة السفير مترك الدوسري سفير خادم الحرمين الشريفين لدي المالديف وسعادة الأستاذ عبد الرحمن الشامسي القائم بالأعمال في سفارة الإمارات العربية المتحدة بجمهورية المالديف على جهودهما المتواصلة والمتفانية في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية وإيجاد الفرص الثمينة للمالديف حكومة وشعبا .
