اللواء رضا يعقوب يتابع التقارب المصرى التركى لمواجهة معضلات الشرق أوسط والقضاء على الغطرسة الصهيونية فرصد:
تحسن العلاقات المصرية التركية.. ترحيب عربى واسع بزيارة أردوغان الى القاهرة، حظيت زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الى مصر، بترحيب كبير من نشطاء وإعلاميين وسياسيين مصريين، حيث إعتبرها الكثيرون علامة فارقة فى مسار العلاقات بين البلدين بعد سنوات من التوتر والقطيعة.
ولاقت الزيارة التى يجريها أردوغان ترحيباً شعبياً واسعاً فى مصر، حيث عبر الكثير من المصريين عن سعادتهم بعودة العلاقات بين البلدين الى مسارها الطبيعى، وظهر ذلك من خلال التفاعل الكبير على مواقع التواصل الإجتماعى.
وقال السياسى المصرى ووزير الشئون البرلمانية الأسبق، محمد محسوب فى تغريدة على حسابه فى منصة “إكس”، إن “زيارة الرئيس التركى الى مصر مرحب بها، فالقضايا الكبرى التى تفرض تعاوناً بين البلدين كشرق المتوسط وغزة لا يمكن أن تتوقف على رضا أو عدم الرضا عن نظام سياسى معين، كما أن النضال لأجل إرساء قيم العدالة ومبادئ الحريات والحقوق فى بلد ما، إنما يقع على عاتق الشعب وحده”
الصحفى المصرى جمال سلطان قال حول زيارة أردوغان الى مصر، إنه “رغم كل شئ، وبعيداً عن الأشخاص، لا يمكن لأى محلل سياسى تجاهل الثقل السياسى والإقتصادى والعسكرى الكبير الذى يمكن أن يتحقق فى المنطقة من تقارب مصر وتركيا، وهو ثقل يقوى ظهر مصر (الدولة) جدا أمام أى ضغوط صهيونية أو أمريكية، ويخفف ضغطاً رهيباً على أمنها القومى فى السودان والقرن الأفريقى”
لقاء السيسى وأردوغان.. أى تأثير على ملفات إقليمية ساخنة؟ زيارة هامة فى توقيت حرج قام بها الرئيس التركى الى القاهرة، وخلال الزيارة ناقش أردوغان والسيسى عدة ملفات أبرزها الحرب فى غزة وتعزيز التعاون فى مجالات مختلفة، فكيف يمكن أن يؤثر هذا التقارب على الوضع الإستراتيجى فى المنطقة؟
زيارة تاريخية قام بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الى مصر، عدها البعض تتويجاً لمسار تطبيع العلاقات بين البلدين والذى بدأ فى عام 2022، وهذه هى أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ 11 عاماً، إذ كانت آخر زيارة الى مصر على هذا المستوى تلك التى أجراها الرئيس السابق عبد الله غول فى فبراير/ شباط عام 2013، فيما كانت آخر زيارة لأردوغان عندما كان رئيساً للوزراء فى نوفمبر من عام 2012.
فى عام 2023 رفعت الخارجية المصرية والتركية التمثيل الدبلوماسى بين البلدين الى مستوى السفراء لإعادة العلاقات الى طبيعتها بعد إنقطاعها منذ عام 2013، ومع رفع مستوى التعاون الدبلوماسى تم وقف الحملات العدائية وكبح نشاط جماعة الإخوان المسلمين على الأراضى التركية، وهو الأمر الذى مهد لبدء مشاورات بين الجانبين تبعها لقاء وزيرى الخارجية إنتهاء بتطبيع العلاقات لتتغلب المصالح فى النهاية على الخلافات التى إستمرت لعقد من الزمن.
ووقع السيسى وأردوغان عدداً من إتفاقيات التعاون المشتركة بين البلدين فى قصر الإتحادية، كما وقعا على الإعلان المشترك حوى إعادة تشكيل إجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجى رفيع المستوى بين مصر وتركيا.
وتعهد أردوغان بزيادة التبادل التجارى مع مصر الى 15 مليار دولار فى الأمد القصير، وقال إن البلدين يقيّمان التعاون فى مجالات الطاقة والدفاع والسياحة، فيما قال السيس إنه من المهم “إبراز إستمرار التواصل الشعبى خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والإستثمارية نمواً مضطرداً خلال تلك الفترة”
الرئيس التركى من جهته أكد أن بلاده مستعدة للتعاون مع مصر فى إعادة إعمار غزة، وذكر أن الوضع فى القطاع تصدر جدول أعمال محادثاته مع السيسى، وأوضح أن تركيا عازمة على تكثيف المحادثات مع مصر على جميع المستويات من أجل إحلال السلام والإستقرار فى المنطقة، بدوره قال السيسى: “إن مصر وتركيا أكدتا على أهمية زيادة المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة وأهمية وقف إطلاق النار فيه”
ويرى ريكاردو فابياني الباحث المتخصص في شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية أن مصر تبحث حالياً عن شريك يمكنه الضغط بشكل ما على الكيان الصهيونى نظراً للقلق المصرى من الوضع فى منطقة رفح الحدودية. وأضاف فى إتصال هاتفى مع DW عربية أنه يعتقد بأن “تركيا قد لا تكون الطرف الأكثر تأثيراً فى هذا الملف وتريد بتوسيع تعاونها مع تركيا “إرسال رسالة للجميع وخصوصاً للصهيونية، بأن إنتهاك الخط الأحمر المصرى بشأن رفح لا يمثل مشكلة لمصر فقط، وبالتالى فإن تكلفة العملية العسكرية التى توشك الصهيونية على القيام بها ستكون بالضرورة باهظة للغاية”
بدوره قال الدكتور جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة الامريكية بالقاهرة ومستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية إنه “يمكن النظر للمصالحة على أنها إعادة لرص الصفوف، وتمتين ما يمكن تسميته “بمعسكر الإعتدال الشرق أوسطى” الذى يشمل بالاضافة لتركيا ومصر بلدان عربية مثل الإمارات والأردن، خاصة مع تحسن العلاقات بين كل هذه الدول عقب فترة من التوتر” وأضاف فى حوار مع DW عربية أن “تحالف الدول المعتدلة” يمكنه أن يلعب دوراً رئيسياً فى تحريك ملف النزاع فى غزة لحل هذه القضية فى مواجهة قوى لا تريد لهذا الملف أن يتم حله أو إغلاقه كونها تسعى لتوظيفه من أجل تعزيز نفوذها فى الإقليم ” والمشهد الذى رأيناه خلال الأسابيع الأخيرة من إستعراض للقوة فى العراق، وفى جنوب البحر الأحمر، وعلى الحدود اللبنانية الصهيونية لم يغب عن ملاحظة وإثارة قلق كل قوى الإعتدال فى المنطقة، وكان واضحاً أن هناك من يستخدم هذا الوضع لتعزيز هيمنة يتم ممارستها على الشرق الأوسط”
فى هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسى التركى فراس رضوان أوغلو من أنقرة أن تركيا ستقف خلف مصر فى موقفها من الأزمة فى رفح “لأن القضية تتصل بشكل مباشر بالأمن القومى المصرى” وأضاف فى حواره مع DW عربية أن “تركيا ستحاول تقديم الدعم الكامل لمصر، لأن ضرورات الأمن القومى والتعاون المشترك تقتضى ذلك، كما ستلعب دوراً فى تقوية الضغط المصرى على العبرية، وأعتقد أن كلا البلدين سيضغط على الولايات المتحدة التى بدورها يمكنها الضغط على الصهيونية لوقف اطلاق النار”
يعد الملف الليبى واحداً من الملفات الحساسة التى فاقمت التوتر بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية، فمع تصاعد الصراع بين الفرقاء فى ليبيا، دعمت مصر والإمارات جبهة الشرق وبنغازى فيما دعمت تركيا سياسياً وعسكرياً حكومة طرابلس فى الغرب. كما يوجد لتركيا تواجد عسكرى فى قاعدة الوطية وهو ما يزعج مصر بشدة التى تعتبر ليبيا فنائها الخلفى، ولذلك كررت مصر عدة مرات مطالبتها بإخراج القوات الاجنبية والمرتزقة من ليبيا وإجراء إنتخابات فيى البلاد.
بدورها، تحاول تركيا إقناع مصر أن تواجدها العسكرى فى ليبيا لا يستهدفها وإنما هى محاولة لزيادة قوة ما تملكه تركيا من أوراق خلال التفاوض فى أزمة شرق المتوسط وخصوصاً ضد اليونان وقبرص، لذا يرى الخبراء أن تركيا عرضت بيع المسيرات القتالية التركية المتقدمة من نوع بيرقدار للجيش المصرى كإثبات لحسن النوايا وعدم تعمد أى ضرر بمصر وبمصالحها، كما إعتبرت كوسيلة لتحسين العلاقات العسكرية بين البلدين بعد أن تبادلتا تعيين سفيرين العام الماضى.
وتطمح تركيا فى المقابل للإنضمام الى منتدى غاز شرق المتوسط وترسيم الحدود البحرية بما يحفظ لها نصيباً مؤثراً فى إكتشافات الغاز فى المنطقة، وترى أن مصر لها دور شديد الأهمية فى هذا الملف لما تتمتع به من علاقات قوية مع دول البحر المتوسط وخصوصاً اليونان وقبرص.