كتبت فاطمة ابراهيم محررة صحفية بجريدة الأنباء 24
انطلق مؤتمر الاقتصاد العالمي (WEF) المنعقد في مدينة دافوس السويسرية , والذي يستمر خمسة أيام من شهر يناير الحالي , ويأتي هذا العام تحت شعار ” التعاون في عالم مجزأ ” , و ذلك وسط أزمة مزدوجة ضربت الاقتصاد العالمي بدأت بجائحة كورونا 2020 _ والتي ما زال العالم يتعامل مع تداعياتها الى الآن _ والخلافات التجارية بين الولايات المتحده والصين و الحرب الروسية الأوكرانيه 2022 , مما ساهم في تزايد التشققات الجيوسياسية وظهور مؤشرات لدخول الاقتصاد العالمي في موجة ركود .
يضم الحدث حوالي 2500 رئيس دولة وحكومة الى جانب الرؤساء التنفيذيين للشركات وممثلي المجتمع المدني ، وأعضاء وسائل الإعلام الدولية وقادة شباب من افريقيا وآسيا واوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية , وسيكون المنتدى هذا العام هو الأول في موعده المعتاد منذ ظهور جائحة covid-19 حيث تم إلغاؤه في 2021 وتأجيله الى مايو من العام الماضي , فكان ينعقد بشكل سنوي منذ السبعينات في سويسرا لتكون فرصة للنخبة الحاكمة ومجتمع الأعمال لمناقشة التحديات الاقتصاديه التي تواجه العالم .
ومع ذلك سيكون هناك غيابات ملحوظة عن التجمع هذا العام ، ابرزهم الرئيس الامريكي جو بايدن , ورئيس الصين شي جين بينج , والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون , ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك , ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي , فقد لوحظ ان النسبة الاكبر من الحضور هذا العام هي من ممثلي قارتي آسيا وافريقيا على حساب امريكا واوروبا ، بالاضافة الى تمثيل عربي ضخم بقيادة كل من السعودية والامارات , الأمر الذي يثير التساؤلات حول تمسك دافوس بسمعته كحدث اساسي للأثرياء والأقوياء .
وبعد مرور عام على بدء الهجوم الروسي ضد اوكرانيا ومواصلة ارتفاع حصيلة قتلى هجوم دنيبرو , ستكون الحرب حاضرة بقوة , حيث من المتوقع ان يصل وفد أوكراني كبير الى منتجع التزلج السويسري تترأسه السيدة الأولى أولينا زيلينسكا , ومن جهته سيشارك الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في مداخلات عبر الفيديو على هامش المنتدى .
يناقش المؤتمر هذا العام عدداً من القضايا الهامه مثل أزمة الطاقة , ومخاطر انجراف الاقتصاد العالمي امام رفع معدلات الفائده عالمياً وتأثيرها على اقتصادات الدول الناشئة , الى جانب ارتفاع معدلات الديون وأزمة الغذاء العالميه ، ومن المواضيع الأساسيه المطروحه في المؤتمر ازمة المناخ ، إذ يسعى المنظمون لأن تساعد المباحثات في التمهيد للمفاوضات العالميه المقبله في إطار مؤتمر الأطراف حول المناخ ( كوب ٢٨ ) المقرر عقده في نهاية السنة في دولة الامارات العربية المتحده .
ويطرح المؤتمر تساؤلات هامه حول إمكانية بناء نظام جديد للاستثمار والتجارة والبنية التحتيه ، في حين ذكر عدد من المحللين الاقتصاديين ان الاقتصاد العالمي لن يتخلى نهائياً عن العولمة , وقالت “رنا فوروهار” المحللة الاقتصاديه لشبكة ” سي ان ان ” : ” البندول الاقتصادي يتغير عبر التاريخ ” , وأضافت ” في كل مرة يتحول فيها البندول بعيداً جداً ; وهو ما يحدث بوضوح , يبدأ في التراجع قليلاً “، وأكدت أن بعض العناصر الأساسية للعولمة ستستمر ، مشيرة الى وجود تسهيلات في التحول الرقمي مثل انتقال الاموال والأفكار عبر الحدود .
وفي مؤتمر صحفي قال رئيس منتدى الاقتصاد العالمي “كلاوس شواب ” مؤسس هذا الحدث : ” فقط التفاعل الشخصي يخلق المستوى الضروري من الثقة الذي نحتاجه كثيراً في عالمنا الممزق ” , كما ذكر الموقع الرسمي للمنتدى ان ما يقرب من ثلثي الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع من قبل المنتدى يتوقعون حدوث ركود هذا العام , كما يرى شواب ان ” نقص التعاون ” أحد اهم الاسباب للاوضاع الحالية مما يؤدي الى اعتماد سياسات قصيرة الأمد وأنانية مندداً ب ” حلقة مفرغه ” لا ينتج عنها حلول جذرية للمشكلة .
ورأى الصحفي الأمريكي ” بيتر غودمان ” الذي صدر له كتاب العام الماضي بعنوان ” رجل دافوس ” : كيف التهم أصحاب المليارات العالم ” ، مشيراً الى انه خلال اربعة ايام في قطاع خاص يمكنهم اتمام اعمال اكثر مما يفعلون في أشهر من الرحلات حول العالم ، واعتبر ان اكبر اسهام يمكن ان يقدمه دافوس هو الدفع باتجاه إصلاح النظام الضريبي العالمي للحد من التباين الاجتماعي .
وفي مشاركته قال وزير الخارجيه السعودي ان استقرار سعر النفط يشير الى ان الرياض كانت على صواب في موقفها خلال الخلاف مع الولايات المتحده العام الماضي في شأن قرار “أوبك+” لخفض مستهدفات انتاج الخام , وأضاف الامير فيصل بن فرحان ان بلاده , اكبر مصدر للنفط في العالم , تتحمل مسؤولية مواصلة إحلال هذا الاستقرار في أسواق النفط والاقتصادات العالمية وأن الرياض ستدخل في حوار قوي مع حليفتها التقليديه واشنطن لمواصلة حل أي قضايا , وأشار الى التزام السعوديه بمستقبل الطاقة النظيفة , لكن هناك حاجة لضمان إمكانيه الاعتماد على أشكال الطاقة التقليدية في الوقت نفسه .
ومن جانبها قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا , انه من المتوقع ان يشهد النمو الاقتصادي العالمي مزيداً من التباطؤ الى نحو 2.7 % , ومن المتوقع ان يبلغ التباطؤ مداه هذا العام , وأضافت ان التحديات الثلاثة الرئيسية هي الحرب الروسية الاوكرانيه وأزمة كلف المعيشة وارتفاع اسعار الفائده الى مستوى غير مسبوق منذ عقود مشيرة الى انه ” يتعين على العالم التكيف بذكاء لتحقيق مزيد من أمن الامدادات ” , وحذرت من ان التدخلات العامة التي يجرى تبنيها باسم الأمن الاقتصادي او القومي قد تؤدي الى عواقب غير متوقعه او قد تستغل لتحقيق مكاسب اقتصاديه على حساب الاخرين.
وقد دعا نائب رئيس مجلس الوزراء الصيني “ليو هي ” الذي تحدث مباشرة عن التخلي عن عقلية الحرب البارده وطالب بالمزيد من التعاون الدولي بين واشنطن وبكين حول السياسات الاقتصادية والتجارية وايضا حول مسألة تايوان .
وفي حلقة نقاش منفصلة قال المبعوث الامريكي للمناخ “جون كيري ” إن الدول التي تنتقد قانون خفض التضخم يجب ان تحاول بدلاً من ذلك أن تحذو حذو الولايات المتحده وأضاف ” لا ينبغي ان تفعلوا ذلك , فهذا يضعنا في موقف غير عادل , قوموا بذلك أنتم ايضاً فعلى الجميع فعل الأمر نفسه لتسريع هذه العمليه أكثر ” , وصرّحت فون دير لاين ان المفوضية الأوروبية ستقترح ايضاً تشريعاً يستهدف ” صناعة خاليه من انبعاثات ” غازات الدفيئة , بالتالي تحييد أثر الكربون عبر تعزيز التكنولوجيا الخضراء , وأضافت ” سيحدد هذا التشريع الجديد أهدافاً واضحه للتكنولوجيا النظيفة بحلول عام 2030 والهدف سيكون تركيز الاستثمارات على مشاريع استراتيجيه تشمل كل سلاسل التوريد وتبسيط وتسريع اجراءات منح التراخيص لمواقع انتاج جديده , لتكنولوجيا خضراء .
وقد نددت منظمة “أوكسفام” بالمستويات الخطرة التي وصلت اليها التفاوتات الاقتصاديه في العالم , داعية الى خفض عدد المليارديرات الى النصف بحلول 2030 , ومن جهتها تحدثت منظمة “غرينبيس” عن “نفاق” نخب العالم الذين يأتون للتكلم عن مسألة المناخ في دافوس , مشيرة الى انه خلال نسخة مايو الماضي سجلت 500 رحلة لطائرات خاصة مغادرة أو وافده الى مطارات قريبة من المنتجع السويسري .
