تهديد تركيا بالتوغل في شمال سوريا، ما هو الوضع الانساني الحالي ، وما كانت نتجية التوغلات التركية سابقا ، ماهي استجابة تركيا حاليا اللاجئين ، وهل ستنجح تركيا بخروج اللاجئين من بلدها .
ما هو المخطط التركي الكبير في سوريا؟
كتبت / مريم سليم محرره صحفية بجريدة الانباء 24 الكندية العربية.
منذ مايو 2022، يُهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوغل عسكري في شمال شرق سوريا يستهدف مدينتي تل رفعت ومنبج في محافظة حلب. تخضع المدينتان، غرب نهر الفرات، لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (’قسد‘)، جماعة مسلحة يقودها الأكراد بدعم من الولايات المتحدة. تسيطر الجماعة عسكريا على معظم شمال شرق سوريا الذي تحكمه “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” (الإدارة الذاتية) والتي تعلن الحكم الذاتي. هذا التوغل المخطط له سيكون الرابع لتركيا في شمال سوريا منذ 2016.
وقعت آخر عملية تركية عسكرية في المنطقة في أكتوبر2019، بمشاركة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وهو تحالف من جماعات معارضة مسلحة سورية. منذ ذلك الحين، احتلت تركيا جزء من المنطقة الحدودية التي كانت تسيطر عليها سابقا الإدارة الذاتية بين مدينة رأس العين (سري كانيه بالكردية) والمناطق المحيطة بها في محافظة الحسكة، وبلدات تل أبيض (كري سبي بالكردية) وعين عيسى، في محافظة الرقة.
تركّز مجموعة الأسئلة والأجوبة التالية على التزامات تركيا بموجب قوانين الحرب إذا بدأت هجوما جديدا في شمال شرق سوريا، والمخاوف المتعلقة باللاجئين والنازحين داخليا، وآثارها على السوريين والأجانب المحتجزين في المنطقة لارتباطهم المزعوم بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ’داعش‘). تتناول الوثيقة أيضا الأولويات الحقوقية التي ينبغي أن تتبناها القوات التي يقودها الأكراد والأطراف الأخرى في النزاع أثناء أي هجوم وشيك.
لطالما أعلن أردوغان عن هدفه بإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 32 كيلومتر في شمال شرق سوريا ردا على التهديدات المتصورة من “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، أكبر مكونين في قوات سوريا الديمقراطية. تعتبر الحكومة التركية المجموعتين إرهابيتين ومرتبطتين بـ “حزب العمال الكردستاني” المسلح، الذي تخوض تركيا معه نزاعا على الأراضي التركية منذ عقود. كانت التوغلات العسكرية التركية السابقة في شمال سوريا، والتي تهدف أيضا إلى صد القوات التي يقودها الأكراد، حافلة بالانتهاكات الحقوقية.
الهدف الثاني المُعلن هو إعادة توطين مليون لاجئ سوري قسرا من تركيا إلى المنطقة. تؤوي تركيا ما يزيد قليلا عن 3.6 مليون لاجئ سوري منحتهم حماية مؤقتة، منهم نحو 500 ألف في إسطنبول. يوجد في تركيا لاجئون أكثر من أي دولة أخرى وحوالي أربعة أضعاف عدد اللاجئين في “الاتحاد الأوروبي” بأكمله. مع ذلك، لم تمتثل تركيا بواجبها المُلزم المتمثل بعدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
تصاعدت هجمات الطائرات المسيّرة التركية والقصف من قبل القوات السورية المدعومة من تركيا على مدن وبلدات شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في الأشهر الأخيرة، ما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين بينهم أطفال، بحسب “مركز معلومات روجافا” – وهو منظمة إعلامية وبحثية تطوعية في شمال شرق سوريا.
في 11 أغسطس، قالت قوات سوريا الديمقراطية إن قواتها قتلت جنودا أتراكا ردا على ذلك خلال ثلاث عمليات منفصلة في 8 أغسطس.
حذّرت الولايات المتحدة وروسيا وإيران علنا من توغل تركي آخر لشمال شرق سوريا.
عشر سنوات من النزاع دمرت البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في سوريا، مما أدى إلى احتياجات إنسانية هائلة. في أوائل 2021، كان هناك أكثر من 13 مليون سوري يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. يعتمد ملايين الأشخاص في شمال شرق وشمال غرب سوريا، وكثير منهم من النازحين داخليا، على تدفق الغذاء والدواء والمساعدات الأخرى الضرورية عبر الحدود.
في 2020، استخدمت روسيا “الفيتو” لإجبار “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة باتجاه شمال سوريا المصرح لها، ما أدى إلى قطع المساعدات الأممية عبر الحدود عن الشمال الشرقي بالكامل، وزاد من صعوبة توزيع المساعدات في الشمال الغربي. يعتمد حاليا شمال سوريا بالكامل حصريا على المعبر الحدودي الوحيد المتبقي إلى شمال غرب سوريا من تركيا لتلقي جميع المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية التي تقدمها الأمم المتحدة للمدنيين. في 12 يوليو 2022، بعد أن استخدمت روسيا الفيتو ضد تمديد 12 شهرا لتوصيل المساعدات الضرورية من المعبر الأخير، قرر مجلس الأمن التجديد لستة أشهر بدلا من ذلك، وحدد تصويتا آخرا في منتصف الشتاء، مما عقد تحضيرات وكالات المعونة الأممية.
وفقا لتقرير “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) في 20 يونيو، بلغ انعدام الأمن الغذائي مستويات عالية قياسية في شمال غرب سوريا وحده. تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بشكل حاد، ولا تزال الخدمات الأساسية محدودة جدا، وهناك 2.8 مليون نازح داخلي. من بين 1.7 مليون شخص يعيشون في مخيمات أو مستوطنات غير رسمية، يعيش 800 ألف شخص في خِيَم، كثير منها قديم ومكتظ وغير صالح للطقس القاسي.
رغم أن نطاق العملية العسكرية التركية المتوقعة غير معروف بعد، من المرجح أن يؤدي أي هجوم كبير إلى نزوح آلاف آخرين، ما يُجهد الاستجابة الإنسانية التي بلغت بالفعل حدود إمكاناتها.
كانت التوغلات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا حافلة بالانتهاكات الحقوقية، وفي الأراضي التي تحتلها تركيا اليوم، تنتهك تركيا والفصائل السورية المحلية حقوق المدنيين وتقيّد حرياتهم دون عقاب .
وفقا لـ “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية”، ارتكبت القوات المدعومة من تركيا أيضا عنفا جنسيا ضد النساء والرجال في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيه ما لا يقل عن 30 حادثة اغتصاب. في 2021، أفادت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وهي منظمة سورية غير حكومية مقرها أوروبا، أن فصائل الجيش الوطني السوري تجند الأطفال ووثقت ما لا يقل عن 20 حالة من هذا النوع.
تقاعست تركيا والفصائل المدعومة منها أيضا عن توفير إمدادات المياه الكافية للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد شمال شرق سوريا. يعتمد نحو 460 ألف شخص في هذه المناطق على المياه من محطة مياه علوك قرب بلدة رأس العين (سري كانيه).
بموجب القانون الدولي، على القوات المسلحة التركية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين، وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، وتقليلها في كل الأحوال. أي أنه عليها التقيد الصارم بالمعايير والإجراءات الدولية فيما يتعلق بوسائلها وأساليبها الحربية المصممة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وعليها الإبلاغ بشكل دائم وشفاف عن الغارات الجوية وخسائر العدو والمدنيين.
تحظر قوانين الحرب بشدة الهجمات التي تستهدف المدنيين أو الأعيان المدنية ما لم تكن لأغراض عسكرية، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية. كما يجب أن تكون الهجمات متناسبة، أي أن الخسائر المدنية المتوقعة أو الإضرار بالمباني المدنية يجب ألا يكون مفرطا بالنسبة للميزة العسكرية الملموسة المتوقعة.
على تركيا بدء تحقيق شامل ونزيه بسرعة في أي خسائر مدنية تنجم عن عملياتها. ينبغي أن تحدد المسؤولين عن وفيات المدنيين الناجمة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وتحاسبهم، بما فيه من خلال المحاكمات الجنائية في حالة ارتكاب جرائم حرب. على تركيا أن تقدم تعويضات عن الوفيات والإصابات غير المشروعة في صفوف المدنيين، وتعويضات مناسبة عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين.
لدى الولايات المتحدة نحو 900 جندي في شمال شرق سوريا كجزء من “التحالف الدولي الهادف لهزيمة داعش”. كان لدى المملكة المتحدة أيضا قوات برية في شمال شرق سوريا كجزء من التحالف الدولي. نشطت الدولتان خلال المعركة التي استمرت 10 أيام لاستعادة سجن من داعش في منطقة الحسكة في يناير الثاني 2022.
لا يؤثر إنشاء المناطق الآمنة على الحظر بموجب القانون الإنساني الدولي للهجمات التي تستهدف المدنيين، سواء كان هؤلاء المدنيون داخل أو خارج المنطقة الآمنة المحددة. يظل المدنيون خارج المناطق الآمنة محميين من الهجمات المتعمدة.