تقرير: لمياء فراج الهواري محرره صحفيه بجريدة الأنباء ٢٤ الكندية العربية.
وصفت “أليس فيرير” المسؤولة عن السوادان في منظمة “بريمير اورجان انترناشونال” ( PREMIER URGENCE INTERNATIONAL) الوضع في السودان بكلمة لخصت كل شئ قائلة:
“عندما نرى المبالغ التي تم تخصيصها لأوكرانيا فإننا لسنا على المستوى ذاته من حيث الحجم على الإطلاق، الأزمة السودانية منسية تمامًا”.
و هذا ما يصف حال السودان فعلًا، أنها أزمة منسية، ولا نعرف حتى ما الذي يجرى هناك، فما الذي يحدث في السودان؟
السودان بلد كبير تبلغ مساحته 1.882.000 كيلو متر مربع، يبلغ عدد سكانه تقريباً 46 مليون نسمة، مكونة من حوالي 57 مجموعة عرقية و 570 قبيلة و 114 لهجة مختلفة، فهي بلد ذات أعراق و لهجات و قبائل مختلفة و متنوعة، لذلك تسعى كل قبيلة أو عرق لفرض سيطرتهم على البلاد و الوصول لأعلى المناصب و النفوذ بها.
* تاريخ الحكم في السودان.
فمنذ ان استقلت البلاد عام 1956م كان الحكم عبارة عن انقلابات، ففي عام 1985م “إبراهيم عبود” وصل للحكم بعد إنقلاب عسكري، وفي عام 1964م قام الشعب بثورة عليه و وصل “سر الختم” للحكم، وفي عام 1969م وصل “جعفر النُميري” للحكم بعد إنقلاب عسكري آخر قام به عام 1968م، و قامت في عصره أربع انقلابات لكنه نجا منها إلى أن خرج من الحكم بعد ثورة عام 1985م.
ثم جاء بعده “الصادق المهدي” من عام 1986 ل 1989م، و في عامه الأخير تحالفت الجبهة الإسلامية بقيادة “حسن الترابى” مع “عمر البشير” الذي كان قائدًا في الجيش و عضوًا في الجبهة في الوقت نفسه و قامو بعمل انقلاب، ليصل الإسلاميين للحكم الذي استمر نحو 30 عام.
* أزمة دارفور عام 2003 و بداية أحداث التمرد.
بداية الأزمة السودانية ليست منذ العام الماضي، أو العالم الذي يسبقه، بل ترجع الأزمة لأبعد من ذلك بكثيـر،
في عام 2003 حدثت ‘أزمة دارفور” و هو إقليم كبير غرب السودان يضم ولايات كلها عرقيات و قبائل مختلفة، أكبرهم قبيلتان العربية شمال الإقليم و الأفريقية في جنوب و غرب الإقليم، الذين يرون أن العرب مسئولون عن البلاد و أن الحكومة تقوم بدعمهم، فقامو بحركة تمرد لتحرير دارفور عام 2002م لأنهم أرادو الاستقلال عن البلاد.
يوم 25 مارس 2003 كانت البداية الحقيقية للهجوم، حيث تهجّم المتمردون علي قوات الجيش في الإقليم و قاموا بقتل عدد من الضباط و الطيارين و كما أخذو أسلحتهم، و برغم جهود الحكومة الشديدة و ما بزلوا في مواجهة المتمردين إلا أنهم فشلوا في المعارك ضدهم، فمن كل 10 معارك كان هناك 9 معارك للمتمردين و 1 للحكومة، لأن المتمردين متمرسون و ذي خبرة في الصحاري و مداخلها و المزارع و كذلك حروب العصابات.
* استعانة الحكومة بالجنجويد.. ومن هم “الجنجويد’؟
علمت الحكومة أنها بحاجة إلى عصابات تواجه و تعلم ما تفعله العصابات من المتمردين، لتكون حرب عصابات ضد مثلها، فاستعانت الحكومة بالجنجويد و هي ميليشيات مسلحة مؤسسها “موسى هلال” من قبيلة “الرزيقات العربية’ شمال دارفور.
وفي تلك الحرب استطاع الجنجويد أن يسيطروا عليها، قتلو 300 ألف شخص حيث كان موجه لهم أوامر بقتل أي كائن حي من رجال و صغار و كبار و نساء ، و أمر مشدد باغتصاب السيدات و خاصة البنات الصغار ثم قتلهن أو يأخذوهن جواري، و قبل الخروج من القرية يقومون بتسميم الآبار و جعل حمار يشرب منها فيموت ليتأكدوا من فاعلية السُم و بذلك يخرجون من القرية لغيرها و يعيدون ما فعلوه من الجرائم و الانتهاكات، و ذلك حسب تقرير المنظمة الحقوقية “إيجي تراست” التى حصلت على تلك الإعترافات من جنود في الجيش السوداني و من أشخاص في “الجنجويد”.
* من هو “محمد دقلو” المشهور “بحميدتي”؟
و في تلك الحرب لمع إسم “محمد حمدان دقلو” المشهور بـ “حميدتي ” فمن هو؟
حميدتي من بلدة “أم القور” شمال دارفور، ترك التعليم و هو إبن الـ 15 عام و عمل بتجارة أهله و هي تجارة الإبل، إلي أن قام مجموعة من قطاع الطرق بسرقة كل الإبل منه و خرّبوا عليه تجارته، فقام هو و إبن عمه “موسى هلال” بحماية أنفسهم بمجموعة صغيرة من الأفراد الذين يمتلكون سلاح لتأمين الإبل مقابل ما يدفعه التجار لهم، و توسعت مجمعوعتهم إلى أن أصبحت ميليشيات مسلحة من أعلى مستوى تحت مسمى “الجنجويد”.
* مطالب “الجنجويد” من ‘البشير”.
بسبب ما قام به الجنجويد في تلك الحرب كان رئيس السودان وقتها “عمر البشير” فخور و سعيد بهم جدًا لكنهم أراد منه عدة مطالب لكي يكملوا حربهم و لكي يظلوا رجالًا له و منها أن يقوم بتعين حميدتي ضابط في الجيش، و برغم عدم إستكمال تعليمه قام البشير بتعينه برتبة عميـد، و أيضًا تعين الجنجويد قوات حرس الحدود، و بهذا أصبحوا كيان رسمى تابع للمخابرات العسكرية السودانية، و أصبح “البشير” يعتمد عليهم في قمع أي معارضة.
كلما ازدادت المشاكل الداخلية و الاحتجاجات بسبب ظروف المعيشة السيئة، زاد احتياجه لحميدتي و رجاله.
• نفوذ “حميدتي” في ازدياد، و قيادته لقوات الدعم السريع.
مع كل قمع لتمرد كانت مكانة “حميدتي” تزداد، إلي أن وصل لرتبة لواء عام 2013م، و أصبح لديه مجموعة هو قائدها سُميت بقوات الدعم السريع، و هذا ما أغضب قادة الجيش من أن راعى الإبل وصل لتلك المكانه، لكنه كان تحت حماية “البشير” الذي أسماه “حمايتى”، و سحب قوات الدعم تحت قيادته مباشرة، لتكون حرس جمهوري له من ناحية، و ليبعدهم عن قادة الجيش من ناحية أخري.
و في عام 2015 قام “البشير’ بإرسال قوات الدعم السريع للمشاركة في حرب اليمن مع الإمارات و السعودية، و هذا ما زاد من نفوذ “حميدتي” جدًا لأنه وثّق علاقات قوية مع دول الخليج.
في نفس العام بعد إتفاقية الخرطوم بين (الإتحاد الأوروبي و دول القرن الإفريقي و السودان) لحل أزمة الهجرة الغير شرعية، كلف “البشير” قوات الدعم السريع بمراقبة الحدود لمكافحة الهجرة الغير شرعية، و هذا ما زاد من نفوذ و فخر “حميدتي” فكان دائم القول في وسائل الإعلام بأنه من يحمى أوروبا.
أما في عام 2017م استولت قوات الدعم السريع على مناجم الذهب فى جبل عامر الذى كان تم اكتشافه عام 2012م، و الذي ينتج حوالي 50 طن من الذهب سنويًا، ليكون بذلك قوة إقتصادية جبّارة “لحميدتي”، و خاصة بعد أن أصبحت روسيا المستورد الأول لذهب جبل عامر، و ذلك ساعده على زيادة عدد قواته لـ 100 ألف مقاتل، و بذلك أصبح تحت يده سيطرة على “جبل عامر”، و علاقات مع الخليج و روسيا و الإتحاد الأوروبي، و كذلك جيش خاص به له حصانة قانونية كاملة لا يُحاسب على أفعاله و سلطة شاملة أمام القضاء و مطلقة بدون حدود قانونية.
* عزل البشير إستجابة لمطالب الثوار.
في ديسمبر 2018م قامت ثورة على “البشير”، و برغم قرب حميدتي الشديد من البشير إلا أنه أتفق مع قادة الجيش و في يوم 11 أبريل 2019م، و قاموا بخلع “البشير إستجابة لمطالب الثوار.
تم تعيين الفريق “عبدالفتاح البرهان” رئيس الانتقالي، و لمعرفته بأهمية “حميدتي” و أنه رجل لا يمكن خسارته، فقام بتعيينه برتبة فريق أول و كذلك عيّنه نائب لرئيس المجلس.
* انتهاكات “حميدتي” و تدخل التيار المدني.
في البداية كانا على وفاق تام و اتحدوا ضد التيار المدني الذي أراد أن يُسلم السلطة للمدنيين، و قامو باعتصام أمام مقر القيادة فقام “حميدتي” بفضّ الاعتصام بالقوة و قتل 100 فرد وجدوا منهم 60 جثة أمام المقر و 40 جثة في نهر النيل، إلا أن الاعلام و الأحزاب و الشعب ثار عليهم ثورة شديدة لأنه ليس قائد “الجنجويد” الآن بل صاحب منصب و مسؤول في الدولة و ذي رتبه.
ادى ذلك لقيام ‘البرهان” بتعيين “عبدالله الحمدوك” رئيس وزراء مدنى، و ظلت الأمور جيدة من 2019م حتى 2021م.
في أكتوبر 2021م انقلب المجلس الانتقالى على الحكومة المدنية و قاموا بالقبض على “حمدوك”، لكن التيار المدني لم يسكت و قاموا بالعديد من المظاهرات، فقامت الحكومة بتعيين حمدوك مرة أخري في نوفمبر، إلى أن قدّم استقالته في يناير 2022م.
* الإتفاق الإطاري بداية الحرب المشتعلة في السودان.
مع زيادة الأوضاع الإقتصادية السيئة و الظروف المعيشية السيئة قامت الأحزاب في أكتوبر 2022م بمظاهرات كبيرة.
و بسبب ما حدث خاف المجلس أن تدخل البلد في مجاعة، و فأراد المجلس أن يُسلم البلد للمدنيين و قال البرهان بالحرف ” العسكر للثكانات و الأحزاب للانتخابات “.
و يوم 5 ديسمبر 2022م قاموا بعمل ” إتفاق إطاري” و من ضمن بنوده أن تندمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال سنتين و تصبح قوات نظامية لها قانون يحكمها، و وافق عليه “حميدتي” بشرط أن تندمج قوات الدعم خلال 10 سنوات، و من هنا قامت الحرب بين (حميدتي و البرهان) بسبب الجزء الثاني من الإتفاق الإطاري و مدة دمج قوات الدعم السريع مع الجيش، و كل منهم يتّهم الثاني بأنه يريد الإتفاق بألا يتم،
منطقيًا لن يتنازل حميدتي عمّا وصل إليه.
ففي يوم 15 أبريل 2023م الساعه 8:30 صباحًا بدأت الحرب، و اشتبكت قوات الدعم السريع مع الجيش في عدة مناوشات، حوّلت الخرطوم لقطعة من نار، وقامت كوارث في حق المدنيين و المتهم بها قوات الدعم السريع.
* انتهاكات قوات الدعم السريع ضد المدنيين و ما وصل إليه الشعب.
سطو مسلح على البيوت و المحلات، يقتلون الرجال و يغتصبون النساء أمام أهلهم، و قاموت بعمل أكمنة في الطرق يأخذون ما يعجبهم من النساء ليغتصبوها و من لم تعجبهم تقوم بدفع مال أو بقتلها.
وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان قالت: أن في يونيو 2023م وصلت حالات الاغتصاب لـ5100 حالة اغتصاب.
مكتب حقوق الإنسان في يوليو 2023م قال: أنهم وجدوا في “دارفور” مقبرة جماعية لـ 87 إنسان تم تنفيذ حكم الإعدام بهم دون محاكمة من أطفال و سيدات و شباب و رجال.
و في أغسطس 2023م نشرت “CNN” تقرير أن المواطنين في “دارفور” وجدوا 30 مقبرة جماعية بها 1000 إنسان مقتولين و مدفونين بملابسهم.
و في نوفمبر 2023م قالت ” هيومين رايتس ” أن قوات الدعم السريع قتلت 8000 إنسان بالإعدام الميدني بدون محاكمة”.
و في فبراير 2024م نشرت منظمة أطباء بلا حدود تقرير بأن طفل سوداني واحد يموت كل ساعتين في مخيم زمزم في دارفور و أن الأطفال الذين لم يموتوا مقدر لهم من 3-6 أسابيع لموتهم إذا لم يتم علاجهم، و كشف برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة أن 90% من السودانيين لا يستطيعون توفير وجبة كاملة في اليوم، حرب مستمرة و انتهاكات شديدة بسبب صراع على المناصب ضحيته الشعب السودانى.
_ من يحالف من؟
السؤال الأهم من يدعم من و من يحالف الآخر، يُقال أن الإمارات تدعم “حميدتي” و السعودية تدعم “البرهان” لمنافسة الإمارات على السيطرة في المنطقة، و لكــن
يوم 23 أكتوبر 2020م، حدثت ” إتفاقية إبرام ” أو ” الإتفاق الإبراهيمي ” و هي إتفاقية تطبيع مع إسرائيل، نظريًا قام ‘البرهان” بصفته رئيس الدولة و صاحب الجيش النظامي للدوله بإمضاء الإتفاقية و بذلك يكون مُطبع مع الكيان، و عمليًا “حميدتي” كان وقتها نائب الرئيس و من أكبر مؤيدي التطبيع.
و بذلك يصبح الإثنين محالفين للكيان و لكن السؤال من يدعم الإحتلال؟
جريدة “التغيير السودانية” قالت أن أخو “حميدتي “عبد الرحيم دقلو” زار إسرائيل سرًا في أكتوبر 2021م، و جورنال هارتس الاسرائيلي نشر خبر في مايو 2022م أن طائرة تابعة للموساد هبطت في مطار الخرطوم لـ45 دقيقة سلّمت أجهزة تنصت عالية الجودة قادرة علي الإختراق أي هاتف لحميدتي.
حيث أن مصلحة الكيان مع “حميدتي” أكثر من الجيش صاحب الكوادر الإسلامية، و كذلك لأن “حميدتي” مسيطر على الصحراء بين ليبيا و تشاد و السودان و هو عينهم على خط إمداد التسليح للمقاومة الفلسطينية، و الأهم أن نفوذ حميدتي يجعل السودان محكوم بمليشيات مسلحة أي اضطرابات أمن سياسية لا تنتهي، و كذلك فتح جبهة غير مستقرة جديدة مع مصر من الجنوب بعد غزة في الشرق و ليبيا من الغرب، و ذلك استنزاف رهيب مع المسلحين و قبائل هاربة و هجرات كثيرة.
و وقع أكثر من 15 ألف قتيل، و ألاف المغتصبين، و نحو 7 ملايين نازح، و انهيار تام للقطاع الصحى و الإقتصادي، و مليارات المليارات أُهدرت من شعب يعاني من واحده من أكبر أزمات الغذاء.
في 1 يناير 2024م، خرج كل من البرهان و حميدتي و ألقا خطاب في ذكرى تحرير الاستقلال ملئ بالتهديدات و الشتائم و الإتهامات دون أي حل للأزمة.